السلام عليكم
صبحكم \ مساكم
الله بالخيد
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من قال ربي الله ثم استقام ، و أشهد أن محمدا عبده رسوله سيد الأنام و الداعي إلى دار السلام ،اللهم صل علي عبدك و رسولك محمد ، و على آله و أصحابه البررة الكرام ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « حق المسلم على المسلم ست ، إذا لقيته فسلم عليه ، و إذا دعاك فأجبه . و إذا استنصحك فانصح ، و إذا عطس و حمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، و إذا مات فاتبعه » (1) . فهذه من حقوق المسلم على المسلم ، و كلها تستدعي المودة و الانسجام بين الأخوان ، يقول عبد الله بن سلام : « لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس عنه ، فلما رأيت وجهه ، علمت أنه ليس بوجه كذاب ، فسمعته يقول : « يا أيها الناس أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا الأرحام ، وصلوا و الناس نيام تدخلوا الجنة بالسلام » (2) . و قال : « و الذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » (3) . و سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي السلام خير ؟ قال : « تطعم الطعام ، و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف » . و في البخاري عن عمار بن ياسر قال : ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان ، الإنصاف من النفس ، و بذل السلام للعام و الإنفاق من الأقتار » .
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة .
(2) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
(3) رواه الإمام أحمد في مسنده و مسلم و الترمذي و الضياء المقدسي عن الزبير بإسناد جيد .
و السلام هو اسم من أسماء الله ، فأفشوه فيما بينكم . وفي معناه الدعاء بالسلامة على كل من سلمت عليه ، كما يدعو لك بمثل ذلك ، و هو تحية أهل الإسلام ، من لدن خلق الله آدم إلى آدم إلى يوم القيامة ، لما في البخاري و مسلم « لما خلق الله آدم قال له : اذهب فسلم على أولئك النفر ، و هم نفر من الملائكة ، و أنظر ما يحيونك به ، فأنها تحيتك و تحية ذريتك . فذهب فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك و رحمة الله فزادوه « ورحمة الله » (1) .
كما أن السلام تحية أهل الجنة ، ( دعواهم فيها سبحنك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) (2) . و أخبر النبي صلى عليه وسلم بأن للإسلام صوى و منارا كمنار الطريق ، من ذلك أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا ، و أن تقيم الصلاة ، تؤتي الزكاة ، و تأمر بالمعروف ، و تنهى عن المنكر ، وتسلم على من لقيت من المسلمين ، و تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم ، فأخبر أن من خصال الإسلام ؛ هو أن تسلم على من لقيت من المسلمين ، فإذا أتيت أهل مجلس فسلم عليهم ، و إذا أردت أن تقوم فسلم عليهم ، فليست الأولى بأحق من الثانية ، ثم قال : و أن تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم لأنه إذا بدأ أهل بيته بالسلام ، دخلت في البيت البركة ، و الرحمة و حفت أهله الملائكة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس : « يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك و على أهل بيتك » (3) .
(1) متفق عليه عن أبي هريرة .
(2) 10 ــ يونس .
(3) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
لأن الله وصف السلام بأنه تحية مباركة طيبة فقال تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) (1) . لأن من سلم على أهله فقد سلم على نفسه ، وقال : « ثلاثة كلهم ضامن على الله ، من خرج مجاهدا في سبيل الله فهو ضامن على الله ، و من خرج مجاهدا في سبيل الله ، فهو ضامن على الله ، و من دخل المسجد فهو ضامن على الله ، و من دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله ، و قد أهمل الناس العمل بهذه السنة ، و حسدوا أنفسهم دخول البركة في بيوتهم ، و أكثرهم إذا دخل بيته بدأ بالسب و اللعن لكل من يلقاه من أهله و أولاده ، ومن لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ، ولعن المؤمن كقتله .
و كان السلام في عهد الإسلام بمعنى الأمان و الاطمئنان ، بمعنى انك إذ سلمت على إنسان فرد عليك السلام ،فقد دخل في عهد و أمان من أن تناله بسوء ، و في بعض الغزوات قصد بعض الصحابة صاحب غنيمة ظنوه من المشركين ،فلما أقبلوا عليه بدأهم بالسلام و قال : السلام عليكم فلم يردوا عليه السلام ، و قالوا إنه لم يسلم علينا إلا ليحرز عنا غنمه ، فأخذوا الغنم ، و استاقوه معهم ، و سبقهم القرآن بنزوله على رسول الله ، و سبحان المطلع على الأسرار و الخفيات ، علم الله ما وقع لصاحب هذه الغنيمة ، فأنزل الله ( و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ــ كما قلتم لصاحب هذه الغنيمة ــ تبتغون عرض الحياة الدنيا ــ أي لأجل طمعكم في أخذ الغنم ــ فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ــ أي كنتم كفارا قبل فمن الله عليكم بالإسلام و ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام ــ فتبينوا (2) ، أي تثبتوا .
(1) من 61 ــ النور .
(2) 94 ــ النساء .
و هذه الآية بمثابة التهذيب ، و التأديب للعباد في الأمر في التثبيت في جميع أمورهم ، لئلا يغلطوا مع أحد ، فيأخذوه بغير حق ، نظيره قوله ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ــ أي تثبتوا ــ أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )(1) .
فالقرآن قد نظم حياة الناس أحسن نظام ، و هذبهم في حسن التعامل مع الناس في الأفراد و الجماعات ، و أخبر أن لكل داء دواء ، و أن السلام هو الذي يثبت دعائم الإخاء ، و يزيل الإحن و البغضاء ، فقال : الرسول صلى الله عليه وسلم « دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد و البغضاء ، و البغضاء هي الحالقة ــ قالوا و ما الحالقة ؟ قال : حالقة الدين لا حالقة الشعر و الذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » (2) .
ثم حث على السعي بالإصلاح بين المتباغضين ، و التقارب بين المتباعدين ، خصوصا إذا كانوا من ذوي الأرحام ، لأن العداوة بينهم أشق ، و إثم القطيعة بينهم أشد ، و في الحديث : « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان ، فيعرض هذا ، و يعرض هذا ، و خيرهما الذي يبدأ بالسلام » (3) . فأخبر بأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال على أثر لجاج ، أو جدال ، أو شيء من محقرات الدنيا ، و أن خير الناس هو الهين اللين ، السهل ، الذي يبدأ من لقيه بالسلام ، و يسلم على من هجره ، ليزيل الإحن و الشحناء عن قلبه ،
(1) 6 ــ الحجرات .
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده و مسلم و الترمذي و الضياء المقدسي عن الزبير بإسناد جيد .
(3) متفق عليه عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه .
و من تواضع لله رفعه ، و ما جازيت من عصى الله فيك أن تطيع الله فيه ، و أشقى الناس و أقساهم قلبا ؛ رجل قيل له اتق الله على رحمك ، أو على أخيك المسلم ، فقال : اكتف بنفسك .
« و هجر المسلم أخاه سنه كسفك دمه » (1) . فلا يجوز للرجل أن يهجر أخاه المسلم من السلام إلا أن يرتكب معصية فيهجره بسببها رجاء أن يتوب منها .
و قد قيل أن يردعه أوجب و أكد
و هجران من أبدى المعاصي سنة
لكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستعمل الهجر إلا في الحالات التي يرى أنه ينفع و ينجع فيها ، كما هجر الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد معه ، و هم كعب بن مالك ، و هلال بن أمية ، و مرارة بن الربيع ، و كلهم من الصحابة ، و كما هجر الرجل الذي بنى له علية تشرف على بيوت الناس ، ولم يسلم عليه حتى هدمها ، أو كما هجر الرجل المتضمخ بخلوق الزعفران ، و لم يسلم عليه حتى غسله ، لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه ، و خفي لونه ، و طيب النساء ما ظهر لونه ، و خفي ريحه ، كالزعفران و الحناء ، و كما هجر المتختم بالذهب فلم يرد عليه السلام ، فقال لبعض من حضر من الصحابة ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد علي السلام ؟ فقالوا له : اذهب فاطرح عنك الذهب و آته ، فسلم عليه ، فإنه سيرد عليك السلام ، فذهب ، فنزع عنه الذهب ، ثم جاء ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم . فرد عليه السلام . و قال إنك جئتني و عليك حلية أهل النار ، فلم أرد عليك السلام ، فهذا هو الأمر الثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في استعمال الهجر .
(1) لحديث أبي داود بإسناد صحيح عن الأسلمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه )) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الهجر بمثابة استعماله عند تحقق نفعه . أما إذا كان لا يزيد المهجور إلا عتوا و نفورا ، و إلا تمردا و شرورا ، فإنه لا يستعمل و الحالة هذه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام على كل من سلم عليه من اليهود و النصارى و المنافقين ، و يقول : « لا تبدؤوا اليهود و لا النصارى بالسلام » . و في رواية متفق عليها عن أنس « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا و عليكم » (1) . و لما استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قيل ــ عيينة بن حصن الفزاري ــ و كان أحمق مطاعا في قومه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذنوا له فبئس أخوا العشيرة هو . فلما دخل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه و انبسط عليه ، فلما خرج . قال له بعض نساءه : إنك قلت بئس أخوا العشيرة هو . فلما دخل رأيناك ضحكت في وجهه و انبسطت إليه ؟ فقال : هل تجديني فحاشا ! إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه » و في رواية اتقاء شره . فهؤلاء من اليهود و النصارى و المنافقين ، لم يستعمل الهجرة معهم لعلمه أنه لا ينفع فيهم ، و مثله سائر أهل الملل و النحل المبتدعة ، كالشيعة و نحوهم ، فإن الهجر لا ينفع معهم ، و لا يثنيهم عن عقيدتهم ، فيجوز أن تسلم عليهم ، و أن ترد عليهم السلام .
و قد قلنا إن السلام إسم من أسماء الله سبحانه ، و في معناه الدعاء بالسلامة و الأمان ، و أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ، و البخيل من بخل بالسلام ، .
(1) من حديث رواه مسلم عن أبي هريرة .
و في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إياكم و الجلوس في الطرقات ، قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا ، نتحدث فيها ، فقال : إذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه ، قالوا و ما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، و كف الأذى ، و رد السلام ، و الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر » .
فهذه تعاليم دين الإسلام في آداب السلام ، و فائدة الاستماع الإتباع . فانتبهوا من غفلتكم ، و حافظوا على فرائض ربكم ، و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين .
صبحكم \ مساكم
الله بالخيد
آداب السلام في الإسلام و سنة المصافحة و المعانقة و كراهة التقبيل
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من قال ربي الله ثم استقام ، و أشهد أن محمدا عبده رسوله سيد الأنام و الداعي إلى دار السلام ،اللهم صل علي عبدك و رسولك محمد ، و على آله و أصحابه البررة الكرام ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « حق المسلم على المسلم ست ، إذا لقيته فسلم عليه ، و إذا دعاك فأجبه . و إذا استنصحك فانصح ، و إذا عطس و حمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، و إذا مات فاتبعه » (1) . فهذه من حقوق المسلم على المسلم ، و كلها تستدعي المودة و الانسجام بين الأخوان ، يقول عبد الله بن سلام : « لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس عنه ، فلما رأيت وجهه ، علمت أنه ليس بوجه كذاب ، فسمعته يقول : « يا أيها الناس أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صلوا الأرحام ، وصلوا و الناس نيام تدخلوا الجنة بالسلام » (2) . و قال : « و الذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » (3) . و سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي السلام خير ؟ قال : « تطعم الطعام ، و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف » . و في البخاري عن عمار بن ياسر قال : ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان ، الإنصاف من النفس ، و بذل السلام للعام و الإنفاق من الأقتار » .
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة .
(2) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
(3) رواه الإمام أحمد في مسنده و مسلم و الترمذي و الضياء المقدسي عن الزبير بإسناد جيد .
و السلام هو اسم من أسماء الله ، فأفشوه فيما بينكم . وفي معناه الدعاء بالسلامة على كل من سلمت عليه ، كما يدعو لك بمثل ذلك ، و هو تحية أهل الإسلام ، من لدن خلق الله آدم إلى آدم إلى يوم القيامة ، لما في البخاري و مسلم « لما خلق الله آدم قال له : اذهب فسلم على أولئك النفر ، و هم نفر من الملائكة ، و أنظر ما يحيونك به ، فأنها تحيتك و تحية ذريتك . فذهب فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك و رحمة الله فزادوه « ورحمة الله » (1) .
كما أن السلام تحية أهل الجنة ، ( دعواهم فيها سبحنك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) (2) . و أخبر النبي صلى عليه وسلم بأن للإسلام صوى و منارا كمنار الطريق ، من ذلك أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا ، و أن تقيم الصلاة ، تؤتي الزكاة ، و تأمر بالمعروف ، و تنهى عن المنكر ، وتسلم على من لقيت من المسلمين ، و تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم ، فأخبر أن من خصال الإسلام ؛ هو أن تسلم على من لقيت من المسلمين ، فإذا أتيت أهل مجلس فسلم عليهم ، و إذا أردت أن تقوم فسلم عليهم ، فليست الأولى بأحق من الثانية ، ثم قال : و أن تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم لأنه إذا بدأ أهل بيته بالسلام ، دخلت في البيت البركة ، و الرحمة و حفت أهله الملائكة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس : « يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك و على أهل بيتك » (3) .
(1) متفق عليه عن أبي هريرة .
(2) 10 ــ يونس .
(3) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
لأن الله وصف السلام بأنه تحية مباركة طيبة فقال تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) (1) . لأن من سلم على أهله فقد سلم على نفسه ، وقال : « ثلاثة كلهم ضامن على الله ، من خرج مجاهدا في سبيل الله فهو ضامن على الله ، و من خرج مجاهدا في سبيل الله ، فهو ضامن على الله ، و من دخل المسجد فهو ضامن على الله ، و من دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله ، و قد أهمل الناس العمل بهذه السنة ، و حسدوا أنفسهم دخول البركة في بيوتهم ، و أكثرهم إذا دخل بيته بدأ بالسب و اللعن لكل من يلقاه من أهله و أولاده ، ومن لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ، ولعن المؤمن كقتله .
و كان السلام في عهد الإسلام بمعنى الأمان و الاطمئنان ، بمعنى انك إذ سلمت على إنسان فرد عليك السلام ،فقد دخل في عهد و أمان من أن تناله بسوء ، و في بعض الغزوات قصد بعض الصحابة صاحب غنيمة ظنوه من المشركين ،فلما أقبلوا عليه بدأهم بالسلام و قال : السلام عليكم فلم يردوا عليه السلام ، و قالوا إنه لم يسلم علينا إلا ليحرز عنا غنمه ، فأخذوا الغنم ، و استاقوه معهم ، و سبقهم القرآن بنزوله على رسول الله ، و سبحان المطلع على الأسرار و الخفيات ، علم الله ما وقع لصاحب هذه الغنيمة ، فأنزل الله ( و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ــ كما قلتم لصاحب هذه الغنيمة ــ تبتغون عرض الحياة الدنيا ــ أي لأجل طمعكم في أخذ الغنم ــ فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ــ أي كنتم كفارا قبل فمن الله عليكم بالإسلام و ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام ــ فتبينوا (2) ، أي تثبتوا .
(1) من 61 ــ النور .
(2) 94 ــ النساء .
و هذه الآية بمثابة التهذيب ، و التأديب للعباد في الأمر في التثبيت في جميع أمورهم ، لئلا يغلطوا مع أحد ، فيأخذوه بغير حق ، نظيره قوله ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ــ أي تثبتوا ــ أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )(1) .
فالقرآن قد نظم حياة الناس أحسن نظام ، و هذبهم في حسن التعامل مع الناس في الأفراد و الجماعات ، و أخبر أن لكل داء دواء ، و أن السلام هو الذي يثبت دعائم الإخاء ، و يزيل الإحن و البغضاء ، فقال : الرسول صلى الله عليه وسلم « دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد و البغضاء ، و البغضاء هي الحالقة ــ قالوا و ما الحالقة ؟ قال : حالقة الدين لا حالقة الشعر و الذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » (2) .
ثم حث على السعي بالإصلاح بين المتباغضين ، و التقارب بين المتباعدين ، خصوصا إذا كانوا من ذوي الأرحام ، لأن العداوة بينهم أشق ، و إثم القطيعة بينهم أشد ، و في الحديث : « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان ، فيعرض هذا ، و يعرض هذا ، و خيرهما الذي يبدأ بالسلام » (3) . فأخبر بأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال على أثر لجاج ، أو جدال ، أو شيء من محقرات الدنيا ، و أن خير الناس هو الهين اللين ، السهل ، الذي يبدأ من لقيه بالسلام ، و يسلم على من هجره ، ليزيل الإحن و الشحناء عن قلبه ،
(1) 6 ــ الحجرات .
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده و مسلم و الترمذي و الضياء المقدسي عن الزبير بإسناد جيد .
(3) متفق عليه عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه .
و من تواضع لله رفعه ، و ما جازيت من عصى الله فيك أن تطيع الله فيه ، و أشقى الناس و أقساهم قلبا ؛ رجل قيل له اتق الله على رحمك ، أو على أخيك المسلم ، فقال : اكتف بنفسك .
« و هجر المسلم أخاه سنه كسفك دمه » (1) . فلا يجوز للرجل أن يهجر أخاه المسلم من السلام إلا أن يرتكب معصية فيهجره بسببها رجاء أن يتوب منها .
و قد قيل أن يردعه أوجب و أكد
و هجران من أبدى المعاصي سنة
لكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستعمل الهجر إلا في الحالات التي يرى أنه ينفع و ينجع فيها ، كما هجر الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد معه ، و هم كعب بن مالك ، و هلال بن أمية ، و مرارة بن الربيع ، و كلهم من الصحابة ، و كما هجر الرجل الذي بنى له علية تشرف على بيوت الناس ، ولم يسلم عليه حتى هدمها ، أو كما هجر الرجل المتضمخ بخلوق الزعفران ، و لم يسلم عليه حتى غسله ، لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه ، و خفي لونه ، و طيب النساء ما ظهر لونه ، و خفي ريحه ، كالزعفران و الحناء ، و كما هجر المتختم بالذهب فلم يرد عليه السلام ، فقال لبعض من حضر من الصحابة ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد علي السلام ؟ فقالوا له : اذهب فاطرح عنك الذهب و آته ، فسلم عليه ، فإنه سيرد عليك السلام ، فذهب ، فنزع عنه الذهب ، ثم جاء ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم . فرد عليه السلام . و قال إنك جئتني و عليك حلية أهل النار ، فلم أرد عليك السلام ، فهذا هو الأمر الثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في استعمال الهجر .
(1) لحديث أبي داود بإسناد صحيح عن الأسلمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه )) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الهجر بمثابة استعماله عند تحقق نفعه . أما إذا كان لا يزيد المهجور إلا عتوا و نفورا ، و إلا تمردا و شرورا ، فإنه لا يستعمل و الحالة هذه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام على كل من سلم عليه من اليهود و النصارى و المنافقين ، و يقول : « لا تبدؤوا اليهود و لا النصارى بالسلام » . و في رواية متفق عليها عن أنس « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا و عليكم » (1) . و لما استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قيل ــ عيينة بن حصن الفزاري ــ و كان أحمق مطاعا في قومه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذنوا له فبئس أخوا العشيرة هو . فلما دخل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه و انبسط عليه ، فلما خرج . قال له بعض نساءه : إنك قلت بئس أخوا العشيرة هو . فلما دخل رأيناك ضحكت في وجهه و انبسطت إليه ؟ فقال : هل تجديني فحاشا ! إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه » و في رواية اتقاء شره . فهؤلاء من اليهود و النصارى و المنافقين ، لم يستعمل الهجرة معهم لعلمه أنه لا ينفع فيهم ، و مثله سائر أهل الملل و النحل المبتدعة ، كالشيعة و نحوهم ، فإن الهجر لا ينفع معهم ، و لا يثنيهم عن عقيدتهم ، فيجوز أن تسلم عليهم ، و أن ترد عليهم السلام .
و قد قلنا إن السلام إسم من أسماء الله سبحانه ، و في معناه الدعاء بالسلامة و الأمان ، و أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ، و البخيل من بخل بالسلام ، .
(1) من حديث رواه مسلم عن أبي هريرة .
و في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إياكم و الجلوس في الطرقات ، قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا ، نتحدث فيها ، فقال : إذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه ، قالوا و ما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، و كف الأذى ، و رد السلام ، و الأمر بالمعروف ، و النهي عن المنكر » .
فهذه تعاليم دين الإسلام في آداب السلام ، و فائدة الاستماع الإتباع . فانتبهوا من غفلتكم ، و حافظوا على فرائض ربكم ، و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين .